Thursday, January 10, 2013

للحقيقة وجهان أو أكثر- 1




في يوم شتوي ولكنه دافئ، استيقظت على رنين منبه الهاتف النقال. لا زلت أصر على تسميته (هاتفا) على الرغم من أنني بوجوده لا أشعر بالعجلة لإصلاح ساعة يدي، وبدونه لم أعد أستطيع إجراء عملية حسابية، أو الاستماع إلى الموسيقى أو صعود درج مظلم.


 كانت الساعة الثامنة وسبع دقائق صباحا- لا أدري لماذا يتجنب الناس الدقائق التي لا تقبل القسمة على خمسة عند ضبط المواعيد- كأن يقول أحدهم لحبيبته: أراكِ غداً في الرابعة وسبع دقائق..أو لصديقه: انتظرني عند باب المطعم في السادسة وثلاث دقائق.. ربما لأنه " في دمشق، تطير الحمامات فوق سياج الحرير اثنتين اثنتين" كما قال درويش..


أدركت أنه ليس لدي متسع من الوقت، فنهضت من سريري على مهل لأن الموعد مهم ولكن ليس لدرجة العجلة، فقد سبق وأن تأخرت عليها ولم توبخني كثيرا.


"إنه البرغي اللعين مرة أخرى!" هكذا تمتمت في نفسي وأنا أشد برغي عكازي.. شددته بطرف ملعقة كانت في كوب شاي احتسيته قبل نومي... يعجبني منظر فنجان الشاي أو القهوة وفيه ملعقة، ربما لأنه يذكرني بنكتة أحبها وتضحكني كلما قلتها لصديق – بغض النظر إن أعجبته أم لا.


توجهت إلى حاسوبي على المكتب للاستماع إلى راديو مونت كارلو عبر الإنترنت.. هكذا أبدأ يومي عادة، أغنية عربية تليها فرنسية/ إنجليزية وهكذا. عرب أستراليا عموما لا يحبون فارق التوقيت مع بلدانهم لأنه يعزز شعورهم بالغربة والعزلة بشكل أقسى منه في أوروبا.. فهو في الأخيرة انفصال جسدي- وليس زمنيا- عن الأهل.. أما هنا، فعندما يحلو لأحبائنا الكلام نكون نياما وعندما يحلو لي الكلام أكون نائما أيضا.. 
وأزعم أيضا أن الأمر سيكون أسهل عليّ لو كنت في إحدى الأمريكتين. فنحن في أستراليا أول من تصله الشمس، وهو ما يتناقض مع كون اسمي يبدأ بآخر أحرف الهجاء.. خذ مثلا الامتحانات المدرسية الشفوية، كان علي الانتظار حتى يفرغ الأستاذ من كافة الطلبة ليصلني الدور.. وفي البداية، كنت أشعر بشيء من التعاسة والضيق لاضطراري للانتظار، ولكني مع الوقت اكتشفت أهمية حرف الياء، فغالبا ما يكون الأستاذ قد ملّ ريثما يصلني الدور، وبالتالي أحظى بأسرع الأسئلة وأسهلها.. ربما لو كان اسمي أحمد أو إبراهيم لكنت روّضت غربتي بشكل أفضل.. ولكن لذلك فوائد أحيانا: فمحطات الراديو العربية تبث بعد منتصف ليلهم فقرات موسيقية بلا انقطاع، لا يستمع إليها سوى الساهرين هناك وأمثالي هنا، أو هناك..

تقل أهمية تناسق ألوان ملابسي مع ازدياد قطع ملابسي في سلة الغسيل، لحسن الحظ عندي من القمصان السوداء الكثير فهو 'ملك الألوان'، هكذا قال لي بائع ملابس في عمان.. لا أصدق الكثير من وعودهم ونصائحهم ولكن لسبب ما اخترت العمل بنصيحته اليوم. 


عطوري كثيرة ومتنوعة، ليس لأنني مولع بجمعها بل لأن زجاجة عطر هي أفضل- وربما أسهل- ما يمكن أن يهديه إليك عربي. وبغض النظر عن أسماء العطور المجردة والتي لا تعني لي شيئا، وعن  ثمنها وشهرتها، أختار عطوري حسب المناسبة.. ولا أعني هنا المناسبة التي أستعد لها، بل تلك التي ارتبطت ذكراها بالعطر، لأن غدي هو أمسي القادم بطريقة أو بأخرى..



يُتبع