Friday, February 22, 2013

واقع مر لتلفزيون الواقع العربي



بكاء الفنانة إليسا أثناء مشاهدتها لأداء متسابق أردني في برنامج المواهب الفنية الجديد (إكس فاكتور).. هذا الخبر منشور على عدة مواقع إخبارية عربية اليوم.. طيب، ممتاز، ولكن ليس هذا موضوعنا- وخاصة أن المتسابق الأردني كان يغني بلغة أتقنها ولا تستهويني- الإنجليزية. ما يهمني أنني، كمراقب للإعلام العربي، كنت أظن أن الفضاء العربي قد أتخم ببرامج المواهب الفنية والتي تبثها الفضائيات العربية ولم يعد يتسع للمزيد منها، ولكن يبدو أنني طلعت غلطان

 تتابع كل هذه البرامج وتشعر وكأنك تقف في محطة قطار شنغهاي تتأمل وجوه الناس لفرط تشابه مضمونها.. في ظل كل هذا الازدحام، لا بأس من التذكير بالطريقة التي بدأ فيها كل هذا السيرك الإعلامي.. في عام 2001، قام سايمون فيلر- رجل أعمال بريطاني الجنسية قبرصي المولد- بإنتاج برنامج (بوب آيدول) تم بثه على شبكة آي تي في التلفزيونية البريطانية وقامت بتوزيع حقوقه شركة فريمنتل. هذا البرنامج يعتمد على إشراك الجماهير باختيار أفضل المواهب الغنائية في موسيقى البوب بعد تصفيات يشرف على مراحلها الأولى لجنة تحكيم من نجوم فن من ذوي الجماهيرية الواسعة. بعد النجاح الكبير للفكرة، وفي الوقت الذي كانت تروج فيه للحرب على العراق بحملة من الأكاذيب- اشترت شبكة فوكس الأمريكية حقوق بث هذا البرنامج في أمريكا باسم (أميريكان آيدول) وحقق بدوره جماهيرية ساحقة- ويكفي أن نذكر أنه استقطب بنسخته الأولى أكثر من عشرة آلاف متسابق. بعيدا عن ضفتي الأطلسي، اشترت قناة المستقبل اللبنانية حقوق بث البرنامج ولكن باسم (سوبر ستار) (لاحظ أنها لم تكلف نفسها عناء تغليف علبة الشوكلاتة المستوردة بغلاف عليه اسم عربي).. إذن فالبداية بالعربية كانت في موسم 2003 وهو ما حقق بالفعل انتشارا غير مسبوق في المنطقة العربية، فقد  كانت أخبار التصفيات على كل لسان. خذ عندك هذه القصة مثلا: في شهر أغسطس 2003 سافرت من أستراليا إلى الأردن لحضور عرس أخي فراس. وأذكر أنه بينما كنت بالتاكسي متجها إلى البيت في منطقة (حي نزال) في أحد ضواحي العاصمة الأردنية عمّان، سمعت فجأة أصوات إطلاق النار.. لم أشأ أن أسأل شوفير التاكسي عن ذلك لمعرفتي بأنه سيفتح قصة لن تنتهي إلا بعد مرور نصف دينار على العداد (أقلها)، ولكنه تبرع بالإجابة دون سؤال بعد أن تلقى اتصال تهنئة من أحدهم لفوز المتسابقة الأردنية ديانا كرازون على المتسابقة السورية رويدا عطية في الحلقة النهائية من سوبر ستار. ومن يعرف الأردن ومثلها بعض الدول العربية يعرف أننا نطلق النار في الهواء (وأحيانا في البشر سهوا)  في المناسبات السعيدة، من زواج أو تخرج من التوجيهي أو الجامعة.. لدرجة أن جارنا في حي نزال أطلق عيارات نارية في الهواء لأن ابنته ذات ال9 أعوام أعدت له أول (كاسة شاي) في حياتها

لا شك أن البداية القوية التي حققها برنامج (سوبر ستار) في الموسم الأول شجعت المزيد من القنوات الفضائية العربية على السير على خطى المستقبل.. فبعد سنة واحدة فقط، جاءت قناة إل بي سي- اللبنانية أيضا- ببرنامج يضاهي الأول شهرة وهو (ستار أكاديمي).. ثم فرطت المسبحة بالمزيد من مثل هكذا برامج.. وخاصة مع دخول عملاق الترفيه في العالم العربي- شبكة (إم بي سي) إلى ساحة المنافسة باحتكارها حقوق بث النسخة العربية من (أرابس غات تالنت) وأحلى صوت ومحبوب العرب. ثم بعض المنافسة المصرية من قبل قناة الحياة وبرنامج صوت الحياة، وأخيرا قناة (سي بي سي) المصرية منتجة  برنامج (ذا إكس فاكتور)- -وهنا كنا بدأنا


هناك وجهان ونصف لهذه البرامج: الأول ما تظهره القناة للمشاهد من دعم لمواهب شابة ومنافسة شريفة قائمة على جماهيرية المشترك المغلفة بقالب من التسلية البناءة. والوجه الثاني ماديّ بحت وأكثر تعقيدا وصدقا. فالربح المادي للقناة يأتي من شركات القطاع الخاص عبر مسارين: يتمثل الأول بالرعاية الرسمية أو الفرعية، والثاني بالإعلانات المدفوعة في الفواصل أثناء البث. وما تدفعه الشركات المعلنة يتناسب طردا مع معلومات شركات مسح السوق والمستهلك حول تقديرات عدد المشاهدين، وهو ما قد يصل لآلاف الدولارات للثانية الواحدة. المصدر الثاني للدخل المادي- وربما الأول من ناحية العوائد- يأتي من الرسائل النصية التي يرسلها المشاهد للتصويت لفنانه المفضل. هذه الرسائل- بالطبع- ليست بتكلفة الرسائل النصية الاعتيادية بل قد تصل إلى ما يزيد عن 10 أضعاف الأخيرة. وهنا تأتي منظومة جديدة بالكامل وهي منظومة شركات الاتصالات.. فقناة المستقبل- مثلا- ارتبطت بعقود مع شركة اتصالات واحدة في كل بلد عربي تقوم بتخصيص أرقام معينة من قبل شركات الاتصال لتلقي رسائل الجمهور من داخل تلك البلد بحيث تتقاسم القناة المنتجة وشركة الاتصالات عوائد الرسائل والمقدرة بعشرات الملايين 

لا زلت مصرا على تسمية ما تبقى من تحليل لظاهرة برامج الواقع بنصف وجه- فهو مختلف عليه، لأن البعض يرى برامج تلفزيون الواقع عموما وبرامج الهواة خصوصا غزوا ثقافيا للعرب وتغريبا للهوية والثقافة العربية-  والبعض الآخر يرى في هذا الرأي تعزيزا لنظريات المؤامرة والتي عششت في كنفها الكثير من أقلام الكتاب وأصبحت تعفينا من محاسبة الذات


أميل إلى ربط هذا الزبد الإعلامي بغياب مشروع توعوي واضح- ديني كان أو قومي.. ويكفي أن أذكر أن قنواتنا العربية بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في ربيع 1996 ومذبحة قانا فيما عرف بـ "عناقيد الغضب"، قررت أن ترد بـ "عناقيد الطرب" بسلسلة من الأغاني الوطنية على اعتبار أنها كبدت العدو الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات واستردت كرامة لبنان 

ولكن إذا حصرنا تحليلنا لهذه الظواهر بالكلام في الإعلام، فعلينا ألا ننسى العرض والطلب.. فلو لم يكن هناك طلب من قبل السواد الأعظم من المشاهدين، لما كان هناك عرض من قبل القلة المتحكمة ببوصلة الإعلام، أو لفشل إن تم.. ولكن علينا أن نعترف أن الذوق العربي العام تستهويه إثارة هذه البرامج ويستثيره لعبها على وتر القبلية والإقليميات الضيقة. فالتصويت في هذه البرامج مشابه للتصويت في برلمانات الصوت الواحد: يذهب لذوي القربى وليس للصوت الجيد- ولتأتوني بمتسابق مصري- مثلا- فاز بفضل أصوات المغرب في ظل وجود منافس مغربي إن أردتم أن أصدق عكس ذلك



عندما يتداخل المال بعلم النفس والاجتماع بالسياسة والأيدولوجيا بالإعلام- يجد العرب أنفسهم حقل تجارب ومستوردين لا مصدرين، فبرامج الترفيه هذه التي تفرز لنا طوابير من الأصوات العربية الصداحة بفنون بلاد الشام والعراق ومصر والخليج والمغرب العربي، لم تكن لتصل إلينا إلا بعد ترجمة عقد ما لحقوق بث من الإنجليزية إلى العربية.. وحتى إشعار آخر ، أترككم للاستمتاع بالمزيد من هذه التخمة الترفيهية 

Thursday, January 10, 2013

للحقيقة وجهان أو أكثر- 1




في يوم شتوي ولكنه دافئ، استيقظت على رنين منبه الهاتف النقال. لا زلت أصر على تسميته (هاتفا) على الرغم من أنني بوجوده لا أشعر بالعجلة لإصلاح ساعة يدي، وبدونه لم أعد أستطيع إجراء عملية حسابية، أو الاستماع إلى الموسيقى أو صعود درج مظلم.


 كانت الساعة الثامنة وسبع دقائق صباحا- لا أدري لماذا يتجنب الناس الدقائق التي لا تقبل القسمة على خمسة عند ضبط المواعيد- كأن يقول أحدهم لحبيبته: أراكِ غداً في الرابعة وسبع دقائق..أو لصديقه: انتظرني عند باب المطعم في السادسة وثلاث دقائق.. ربما لأنه " في دمشق، تطير الحمامات فوق سياج الحرير اثنتين اثنتين" كما قال درويش..


أدركت أنه ليس لدي متسع من الوقت، فنهضت من سريري على مهل لأن الموعد مهم ولكن ليس لدرجة العجلة، فقد سبق وأن تأخرت عليها ولم توبخني كثيرا.


"إنه البرغي اللعين مرة أخرى!" هكذا تمتمت في نفسي وأنا أشد برغي عكازي.. شددته بطرف ملعقة كانت في كوب شاي احتسيته قبل نومي... يعجبني منظر فنجان الشاي أو القهوة وفيه ملعقة، ربما لأنه يذكرني بنكتة أحبها وتضحكني كلما قلتها لصديق – بغض النظر إن أعجبته أم لا.


توجهت إلى حاسوبي على المكتب للاستماع إلى راديو مونت كارلو عبر الإنترنت.. هكذا أبدأ يومي عادة، أغنية عربية تليها فرنسية/ إنجليزية وهكذا. عرب أستراليا عموما لا يحبون فارق التوقيت مع بلدانهم لأنه يعزز شعورهم بالغربة والعزلة بشكل أقسى منه في أوروبا.. فهو في الأخيرة انفصال جسدي- وليس زمنيا- عن الأهل.. أما هنا، فعندما يحلو لأحبائنا الكلام نكون نياما وعندما يحلو لي الكلام أكون نائما أيضا.. 
وأزعم أيضا أن الأمر سيكون أسهل عليّ لو كنت في إحدى الأمريكتين. فنحن في أستراليا أول من تصله الشمس، وهو ما يتناقض مع كون اسمي يبدأ بآخر أحرف الهجاء.. خذ مثلا الامتحانات المدرسية الشفوية، كان علي الانتظار حتى يفرغ الأستاذ من كافة الطلبة ليصلني الدور.. وفي البداية، كنت أشعر بشيء من التعاسة والضيق لاضطراري للانتظار، ولكني مع الوقت اكتشفت أهمية حرف الياء، فغالبا ما يكون الأستاذ قد ملّ ريثما يصلني الدور، وبالتالي أحظى بأسرع الأسئلة وأسهلها.. ربما لو كان اسمي أحمد أو إبراهيم لكنت روّضت غربتي بشكل أفضل.. ولكن لذلك فوائد أحيانا: فمحطات الراديو العربية تبث بعد منتصف ليلهم فقرات موسيقية بلا انقطاع، لا يستمع إليها سوى الساهرين هناك وأمثالي هنا، أو هناك..

تقل أهمية تناسق ألوان ملابسي مع ازدياد قطع ملابسي في سلة الغسيل، لحسن الحظ عندي من القمصان السوداء الكثير فهو 'ملك الألوان'، هكذا قال لي بائع ملابس في عمان.. لا أصدق الكثير من وعودهم ونصائحهم ولكن لسبب ما اخترت العمل بنصيحته اليوم. 


عطوري كثيرة ومتنوعة، ليس لأنني مولع بجمعها بل لأن زجاجة عطر هي أفضل- وربما أسهل- ما يمكن أن يهديه إليك عربي. وبغض النظر عن أسماء العطور المجردة والتي لا تعني لي شيئا، وعن  ثمنها وشهرتها، أختار عطوري حسب المناسبة.. ولا أعني هنا المناسبة التي أستعد لها، بل تلك التي ارتبطت ذكراها بالعطر، لأن غدي هو أمسي القادم بطريقة أو بأخرى..



يُتبع